15 - كيف بصق أحد الخصوم في وجه علّي كرّم اللَّه وجهه .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)
كيف بصق أحد الخصوم في وجه علّي كرّم اللَّه وجهه . الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي
كيف بصق أحد الخصوم في وجه علّي كرّم اللَّه وجهه
وكيف ألقى عليّ بالسيف من يده
[ جدال على مع الخصم ]
تعلَّم من علي الإخلاص في العمل . واعلم أن أسد اللَّه كان مطهراً من الغشّ والخداع !
لقد تغلب في إحدى الغزوات على رجل من الأبطال ، فرفع السيف مسرعاً ، مندفعاً ( للقضاء عليه ) .
فبصق هذا الخصم في وجه علي ، الذي كان فخراً لكل نبيّ وولي .
لقد بصق على هذا الوجه ، الذي كان وجه القمر يسجد أمامه ، حيث يكون السجود .
3725 - وفي الحال ألقى علي بالسيف من يده ، وتراخى في قتاله .
فغدا المبارز حيران من هذا العمل ، ومن إظهار علي هذا العفو ، وتلك الرحمة في غير موضعهما .
وقال : “ كنت قد شهرت عليّ سيفك البتار . فلماذا رميته الآن وتركتني ؟
وأيّ شيء رأيته خيراً من منازلتي ، حتى تراخيت في اصطيادك لي ؟
ما الذي رأيته فجعل غضبك يسكن على هذا النحو ؟ لقد كان كبارق بدا ثم احتجب .
“ 436 “
3730 - ما الذي رأيت ؟ إن وقعَ ما رأيت قد اضرم النار في قلبي وروحي .
ما الذي شهدته أعلى من الكون والمكان ، وكان عندك خيراً من الروح ، فوهبتني الروح .
إنك في الشجاعة أسد رباني ! أما في المروءة فمن ذا الذي يعرف من أنت ؟
إنك في المروءة كسحاب موسى في التيه ، ذلك الذي نزلت منه مائدة وخبز مالهما من شبيه .
فالسحب تنبت القمح الذي ينضجه الناس بجهدهم ، ويجعلونه حلواً كالشهد .
3735 - وأما سحاب موسى فقد بسط جناح الرحمة ، فكان يقدّم الطعام ناضجاً حلواً بدون عناء “ 1 “ .
لقد رفعت رحمته علماً في الدنيا ، ( لدعوة ) الطاعمين إلى هذا الكرم السائغ .
وظلّت تلك الوظيفة ، وذاك العطاء ، أربعين عاماً ، بدون أن ينقطعا يوماً واحداً عن أهل الرجاء .
حتى قام هؤلاء - لخستهم - فطلبوا كُرَّاثاً وبقلًا وخساً “ 2 “ .
فيا أمة محمد ! يا من أنتم من الكرام ! إنّ هذا الطعام باق لكم حتى القيامة .
...............................................................
( 1 ) إشارة إلى ما أنزل على قوم موسى من المن والسلوى . وقد ذكرا في مواضع عديدة من القرآن ، منها قوله تعالى : “ وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى “ . ( 2 : 57 ) . وكذلك “ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى “ . ( 20 : 80 ) .
( 2 ) إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة حكاية عن بني إسرائيل : “ وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها “ . ( 2 : 61 )
“ 437 “
3740 - وعندما ذاع ( قول الرسول ) : “ أبيت عند ربي . . . “ كانت “ يطعمني ويسقيني “ كناية عن ذلك الغذاء ( الروحي ) “ 1 “ .
فلتقبلن هذا القول بدون تأويل ، حتى يسيغه حلقك ، كالشهد واللبن .
ذلك لأن التأويل الخاطىء يكون ردَّاً للعطاء ، فصاحب هذا التأويل يرى تلك الحقيقة خطأ .
ورؤية هذا الخطأ إنما هي من ضعف عقله ، فالعقل الكلي هو اللبّ ، وأما عقلنا فمثل القشور .
فأوّل نفسك ، ولا تؤوّل الأخبار “ 2 “ . وسبّ عقلك ولا تسبّ بستان الورد !
3745 -“ يا علي ! يا من كلّك عقل وبصر ! حدّثنا عن قليل مما شهدت .
إن سيف حلمك قد مزّق روحنا ! وماء علمك قد طهرّ أرضنا .
ألا فلتحدّثنا ، فإني أعلم أن تلك أسراره ! فهو الذي قد دأب على أن يقتل بدون سيف .
إنه الصانع بلا آلة ولا جارحة “ 3 “ . بل إنه الواهب لتلك الهدايا الرابحة .
وهو الذي يسقي العقل آلافاً من الخمور ، لا تدري بها العينان ولا الأذنان .
...............................................................
( 1) في هذا البيت إشارة لحديث عن الرسول روي في البخاري ومسلم عن أبي هريرة جاء فيه : “ إياكم والوصال ، إنكم لستم في ذلك مثلي . إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا من العمل ما تطيقون “ . ( المنهج القوي ، ح 1 ، 673 ) .
( 2 ) الأخبار الصحاح المروية عن الرسول .
( 3 ) إن الخالق يصنع بدون آلة ولا جارحة ، ومع ذلك فهو الذي وهب الناس هذه الهبات الغالية من آلات وجوارح .
“ 438 “
3750 - ألا فلتتكلم يا باز العرش ، يا صاحب الصيد الوفير ! ماذا رأيت من الحق في تلك الآونة ؟
إن عينك قد تعلمت إدراك الغيب ، على حين أن أعين الحاضرين تكون مغلقة “ .
فمن الناس من يرى القمر عيانا . ومنهم من يرى العالم مظلماً !
ومنهم من يرى ثلاثة أقمار بحتمعة . وهؤلاء الأفراد الثلاثة يجلسون معاً في موضع واحد .
وأعين هؤلاء ، الثلاثة مفتوحة ، وآذانهم مرهفة ، وكلها متعلقة بك ، هاربة مني .
3755 - عجباً ! أهذا سحر العين ، أم هو لطف خفي ؟ لقد كان إزاءك متخذاً صورة الذئب واتخذ إزائي صورة يوسف “ 1 “ .
فلو كانت العوالم ثمانية عشر ألفاً أو أكثر من ذلك ، فليست هذه العوالم بمنقادة لكل عين “ 2 “ .
فلتكشف السر يا علي ، أيها المرتضى ! يا من أنت حُسن القضاء بعد سوء القضاء !
فإما أن تحدثني بما أدركه عقلك ، أو أحدّثك أنا بما أشرق علي .
إن ما أشرق علي منبعث منك ، فيكف تخفيه ؟ وإنك كالقمر ، تفيض نوراً من غير قول .
3760 - لكن قرص القمر - لو أنه ينطق - لسارع إلى هداية المسافرين في ظلمات الليل .
...............................................................
( 1 ) يخاطب الفارس علياً مبدياً عجبه كيف أن بصقه في وجهه قد جعله يتراجع عن قتله ، فيقول : “ ما أراه الآن من هذا الصفح ، هل هو خداع العين أم هو لطف خفي ؟ إن ما حدث مني نحو ك كان كفعل الذئاب وأما ما حدث منك نحوي فكان كفعل يوسف “ .
( 2 ) ليست كل عين قادرة على مشاهدتها .
“ 439 “
وإذ ذاك يصبحون في مأمن من الخطأ والذهول . فصوت القمر - لا محالة - يغلب صوت الغول .
فما دام القمر ينير السبيل بدون قول ، فإنه - حين يتكلم - يكون ضياء فوق ضياء .
وما دمت أنت باب مدينة العلم ، وكذلك شعاع شمس الحلم .
فلتكن منفتحاً - أيها الباب - أمام الباحث عن الباب ، حتى يتحقق بك وصول القشور إلى اللباب .
3765 يا باب الرحمة ! كن منفتحاً إلى الأبد . فإنك أنت السبيل إلى من” لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ““ 1 “ .
إن كل هواء ، وكل ذرّة هي في حد ذاتها منظر ( للتأمل ) .
فإذا لم ينفتح السبيل إليها فمتى يقال : “ ها هنا باب ! “ وما لم يفتح الباب حارس الباب ، فإنه لا يتحرك قط في الباطن هذا الخيال .
فإذا ما انفتح الباب أصبح ( المشاهد ) حائراً ، وتنمو فوق خياله أجنحة ، فيحلق بها .
لقد عثر غافل - فجأة - على كنز في الخراب ، فكان بعد ذلك يندفع مسرعاً نحو كل خربة !
3770 فإنْ أنت لم تجد الجوهر عند أحد الصوفية ، فكيف كنت تبحث عنه عند صوفيّ آخر ؟
إن الظن لو جرى على قدميه سنين ، فإنه لا يستطيع أن يتجاوز فتحتي أنفه .
فهل أنت مبصر شيئاً قطّ سوى أنفك ؟ ألا فلتجب ! وكيف تبصر إذا شمخت بأنفك ؟ ألا فلتخبرنا !
...............................................................
( 1 ) ( الإخلاص ، 112 : 4 ) .
“ 440 “
كيف سأل هذا الكافر علياً كرّم اللَّه وجهه قائلًا :
“ لما كنت قد أصبحت مظفراً على مثلي فلماذا رميت السيف من يدك ؟ “
قال : “تفضل بالقول يا أمير المؤمنين ، حتى تتحرك روحي في الجسم مثل الجنين “ .
3775 - فبينما يكون الجنين محكوماً بالنجوم ، إذا به يتجه نحو الشمس “ 1 “ .
وحينما يجيء الوقت الذي يتخذ فيه الجنين روحاً ، فانّ الشمس تصبح عوناً له حينذاك .
إن الجنين يبدأ في التحرّك بفعل الشمس ، فهي التي تسارع فتهبه الروح .
وقبل أن تشرق الشمس على الجنين ، لا يتلقى من الأنجم الأخرى شيئاً سوى الصورة .
فمن أيّ السبل تعلق - وهو كامن في الرحم - بتلك الشمس البهية الطلعة ؟
3780 - إنّ هذا يتحقق من طريق خفية ، بعيدة عن حواسنا . وإن لشمس الفلك لكثيراً من الطرق !
فطريق يتلقى الذهبُ منه غذاءه . وطريق يصير به الحجر ياقوتاً .
...............................................................
( 1 ) في نسخ المثنوي الأخرى ورد هذا البيت على النحو التالي .هفت أختر هر جنين را مدتي * ميكند أي جان بنوبت خدمتيومعناه : ( يا روحي ! إن الكواكب السبعة تتناوب خدمة كل جنين مدة من الزمان ) . وكان الشائع في زمن الشاعر أن الكواكب تتحكم في الأجنة . فالأشهر الثلاثة الأولى يتحكم فيها زحل والمريخ والمشتري على التوالي . أما الشهر الرابع فهو الشمس التي تبث في الجنين روح الحياة .
“ 441 “
وطريق يجعل الياقوت أحمر اللون ، أحمر اللون ، وطريق يهب نعل الجواد يريقاً .
وطريق يحدث نضج الثمار ، وطريق يهب الجبان قلباً “ 1 “ .
“ فلتتكلم أيها الباز الملتمع الجناح ! يا من تلقيت العلم من المليك وأنت على ساعده !
3785 - لتتكلم أيها الباز الملكي ، الذي يصيد العنقاء ! يا من تهزم جحفلا بذاتك ، لا بجيشك !
لتتكلم فإني قد أصبحت صيداً لبازك ! يا من أنت أمة وحدك ، وواحد بمائة ألف !
لماذا هذه الرحمة في موضع الانتقام ؟ ومن ذا الذي يبيح سبيله مدَّ الأيدي للثعابين ؟ “
كيف أجاب أمير المؤمنين ( مبينا ) سبب إلقاء السيف
من يده في تلك الحال
قال : “ إنني أضرب بالسيف في سبيل اللَّه ! إنني عبداللَّه ولست عبداً لجسدي !
إنني أسد الحق ، ولست أسد الهوى . وإن فعلي لهو الشاهد على ديني .
إنني في الحرب مصداق ( قول الحق )
...............................................................
( 1 ) مما هو ملحوظ أن الليل يبث الخوف في ضعاف النفوس ، فإذا ما طلع النهار وأشرقت الشمس زال عنهم الخوف .
“ 442 “
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)
كيف بصق أحد الخصوم في وجه علّي كرّم اللَّه وجهه . الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي
كيف بصق أحد الخصوم في وجه علّي كرّم اللَّه وجهه
وكيف ألقى عليّ بالسيف من يده
[ جدال على مع الخصم ]
تعلَّم من علي الإخلاص في العمل . واعلم أن أسد اللَّه كان مطهراً من الغشّ والخداع !
لقد تغلب في إحدى الغزوات على رجل من الأبطال ، فرفع السيف مسرعاً ، مندفعاً ( للقضاء عليه ) .
فبصق هذا الخصم في وجه علي ، الذي كان فخراً لكل نبيّ وولي .
لقد بصق على هذا الوجه ، الذي كان وجه القمر يسجد أمامه ، حيث يكون السجود .
3725 - وفي الحال ألقى علي بالسيف من يده ، وتراخى في قتاله .
فغدا المبارز حيران من هذا العمل ، ومن إظهار علي هذا العفو ، وتلك الرحمة في غير موضعهما .
وقال : “ كنت قد شهرت عليّ سيفك البتار . فلماذا رميته الآن وتركتني ؟
وأيّ شيء رأيته خيراً من منازلتي ، حتى تراخيت في اصطيادك لي ؟
ما الذي رأيته فجعل غضبك يسكن على هذا النحو ؟ لقد كان كبارق بدا ثم احتجب .
“ 436 “
3730 - ما الذي رأيت ؟ إن وقعَ ما رأيت قد اضرم النار في قلبي وروحي .
ما الذي شهدته أعلى من الكون والمكان ، وكان عندك خيراً من الروح ، فوهبتني الروح .
إنك في الشجاعة أسد رباني ! أما في المروءة فمن ذا الذي يعرف من أنت ؟
إنك في المروءة كسحاب موسى في التيه ، ذلك الذي نزلت منه مائدة وخبز مالهما من شبيه .
فالسحب تنبت القمح الذي ينضجه الناس بجهدهم ، ويجعلونه حلواً كالشهد .
3735 - وأما سحاب موسى فقد بسط جناح الرحمة ، فكان يقدّم الطعام ناضجاً حلواً بدون عناء “ 1 “ .
لقد رفعت رحمته علماً في الدنيا ، ( لدعوة ) الطاعمين إلى هذا الكرم السائغ .
وظلّت تلك الوظيفة ، وذاك العطاء ، أربعين عاماً ، بدون أن ينقطعا يوماً واحداً عن أهل الرجاء .
حتى قام هؤلاء - لخستهم - فطلبوا كُرَّاثاً وبقلًا وخساً “ 2 “ .
فيا أمة محمد ! يا من أنتم من الكرام ! إنّ هذا الطعام باق لكم حتى القيامة .
...............................................................
( 1 ) إشارة إلى ما أنزل على قوم موسى من المن والسلوى . وقد ذكرا في مواضع عديدة من القرآن ، منها قوله تعالى : “ وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى “ . ( 2 : 57 ) . وكذلك “ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى “ . ( 20 : 80 ) .
( 2 ) إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة حكاية عن بني إسرائيل : “ وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها “ . ( 2 : 61 )
“ 437 “
3740 - وعندما ذاع ( قول الرسول ) : “ أبيت عند ربي . . . “ كانت “ يطعمني ويسقيني “ كناية عن ذلك الغذاء ( الروحي ) “ 1 “ .
فلتقبلن هذا القول بدون تأويل ، حتى يسيغه حلقك ، كالشهد واللبن .
ذلك لأن التأويل الخاطىء يكون ردَّاً للعطاء ، فصاحب هذا التأويل يرى تلك الحقيقة خطأ .
ورؤية هذا الخطأ إنما هي من ضعف عقله ، فالعقل الكلي هو اللبّ ، وأما عقلنا فمثل القشور .
فأوّل نفسك ، ولا تؤوّل الأخبار “ 2 “ . وسبّ عقلك ولا تسبّ بستان الورد !
3745 -“ يا علي ! يا من كلّك عقل وبصر ! حدّثنا عن قليل مما شهدت .
إن سيف حلمك قد مزّق روحنا ! وماء علمك قد طهرّ أرضنا .
ألا فلتحدّثنا ، فإني أعلم أن تلك أسراره ! فهو الذي قد دأب على أن يقتل بدون سيف .
إنه الصانع بلا آلة ولا جارحة “ 3 “ . بل إنه الواهب لتلك الهدايا الرابحة .
وهو الذي يسقي العقل آلافاً من الخمور ، لا تدري بها العينان ولا الأذنان .
...............................................................
( 1) في هذا البيت إشارة لحديث عن الرسول روي في البخاري ومسلم عن أبي هريرة جاء فيه : “ إياكم والوصال ، إنكم لستم في ذلك مثلي . إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا من العمل ما تطيقون “ . ( المنهج القوي ، ح 1 ، 673 ) .
( 2 ) الأخبار الصحاح المروية عن الرسول .
( 3 ) إن الخالق يصنع بدون آلة ولا جارحة ، ومع ذلك فهو الذي وهب الناس هذه الهبات الغالية من آلات وجوارح .
“ 438 “
3750 - ألا فلتتكلم يا باز العرش ، يا صاحب الصيد الوفير ! ماذا رأيت من الحق في تلك الآونة ؟
إن عينك قد تعلمت إدراك الغيب ، على حين أن أعين الحاضرين تكون مغلقة “ .
فمن الناس من يرى القمر عيانا . ومنهم من يرى العالم مظلماً !
ومنهم من يرى ثلاثة أقمار بحتمعة . وهؤلاء الأفراد الثلاثة يجلسون معاً في موضع واحد .
وأعين هؤلاء ، الثلاثة مفتوحة ، وآذانهم مرهفة ، وكلها متعلقة بك ، هاربة مني .
3755 - عجباً ! أهذا سحر العين ، أم هو لطف خفي ؟ لقد كان إزاءك متخذاً صورة الذئب واتخذ إزائي صورة يوسف “ 1 “ .
فلو كانت العوالم ثمانية عشر ألفاً أو أكثر من ذلك ، فليست هذه العوالم بمنقادة لكل عين “ 2 “ .
فلتكشف السر يا علي ، أيها المرتضى ! يا من أنت حُسن القضاء بعد سوء القضاء !
فإما أن تحدثني بما أدركه عقلك ، أو أحدّثك أنا بما أشرق علي .
إن ما أشرق علي منبعث منك ، فيكف تخفيه ؟ وإنك كالقمر ، تفيض نوراً من غير قول .
3760 - لكن قرص القمر - لو أنه ينطق - لسارع إلى هداية المسافرين في ظلمات الليل .
...............................................................
( 1 ) يخاطب الفارس علياً مبدياً عجبه كيف أن بصقه في وجهه قد جعله يتراجع عن قتله ، فيقول : “ ما أراه الآن من هذا الصفح ، هل هو خداع العين أم هو لطف خفي ؟ إن ما حدث مني نحو ك كان كفعل الذئاب وأما ما حدث منك نحوي فكان كفعل يوسف “ .
( 2 ) ليست كل عين قادرة على مشاهدتها .
“ 439 “
وإذ ذاك يصبحون في مأمن من الخطأ والذهول . فصوت القمر - لا محالة - يغلب صوت الغول .
فما دام القمر ينير السبيل بدون قول ، فإنه - حين يتكلم - يكون ضياء فوق ضياء .
وما دمت أنت باب مدينة العلم ، وكذلك شعاع شمس الحلم .
فلتكن منفتحاً - أيها الباب - أمام الباحث عن الباب ، حتى يتحقق بك وصول القشور إلى اللباب .
3765 يا باب الرحمة ! كن منفتحاً إلى الأبد . فإنك أنت السبيل إلى من” لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ““ 1 “ .
إن كل هواء ، وكل ذرّة هي في حد ذاتها منظر ( للتأمل ) .
فإذا لم ينفتح السبيل إليها فمتى يقال : “ ها هنا باب ! “ وما لم يفتح الباب حارس الباب ، فإنه لا يتحرك قط في الباطن هذا الخيال .
فإذا ما انفتح الباب أصبح ( المشاهد ) حائراً ، وتنمو فوق خياله أجنحة ، فيحلق بها .
لقد عثر غافل - فجأة - على كنز في الخراب ، فكان بعد ذلك يندفع مسرعاً نحو كل خربة !
3770 فإنْ أنت لم تجد الجوهر عند أحد الصوفية ، فكيف كنت تبحث عنه عند صوفيّ آخر ؟
إن الظن لو جرى على قدميه سنين ، فإنه لا يستطيع أن يتجاوز فتحتي أنفه .
فهل أنت مبصر شيئاً قطّ سوى أنفك ؟ ألا فلتجب ! وكيف تبصر إذا شمخت بأنفك ؟ ألا فلتخبرنا !
...............................................................
( 1 ) ( الإخلاص ، 112 : 4 ) .
“ 440 “
كيف سأل هذا الكافر علياً كرّم اللَّه وجهه قائلًا :
“ لما كنت قد أصبحت مظفراً على مثلي فلماذا رميت السيف من يدك ؟ “
قال : “تفضل بالقول يا أمير المؤمنين ، حتى تتحرك روحي في الجسم مثل الجنين “ .
3775 - فبينما يكون الجنين محكوماً بالنجوم ، إذا به يتجه نحو الشمس “ 1 “ .
وحينما يجيء الوقت الذي يتخذ فيه الجنين روحاً ، فانّ الشمس تصبح عوناً له حينذاك .
إن الجنين يبدأ في التحرّك بفعل الشمس ، فهي التي تسارع فتهبه الروح .
وقبل أن تشرق الشمس على الجنين ، لا يتلقى من الأنجم الأخرى شيئاً سوى الصورة .
فمن أيّ السبل تعلق - وهو كامن في الرحم - بتلك الشمس البهية الطلعة ؟
3780 - إنّ هذا يتحقق من طريق خفية ، بعيدة عن حواسنا . وإن لشمس الفلك لكثيراً من الطرق !
فطريق يتلقى الذهبُ منه غذاءه . وطريق يصير به الحجر ياقوتاً .
...............................................................
( 1 ) في نسخ المثنوي الأخرى ورد هذا البيت على النحو التالي .هفت أختر هر جنين را مدتي * ميكند أي جان بنوبت خدمتيومعناه : ( يا روحي ! إن الكواكب السبعة تتناوب خدمة كل جنين مدة من الزمان ) . وكان الشائع في زمن الشاعر أن الكواكب تتحكم في الأجنة . فالأشهر الثلاثة الأولى يتحكم فيها زحل والمريخ والمشتري على التوالي . أما الشهر الرابع فهو الشمس التي تبث في الجنين روح الحياة .
“ 441 “
وطريق يجعل الياقوت أحمر اللون ، أحمر اللون ، وطريق يهب نعل الجواد يريقاً .
وطريق يحدث نضج الثمار ، وطريق يهب الجبان قلباً “ 1 “ .
“ فلتتكلم أيها الباز الملتمع الجناح ! يا من تلقيت العلم من المليك وأنت على ساعده !
3785 - لتتكلم أيها الباز الملكي ، الذي يصيد العنقاء ! يا من تهزم جحفلا بذاتك ، لا بجيشك !
لتتكلم فإني قد أصبحت صيداً لبازك ! يا من أنت أمة وحدك ، وواحد بمائة ألف !
لماذا هذه الرحمة في موضع الانتقام ؟ ومن ذا الذي يبيح سبيله مدَّ الأيدي للثعابين ؟ “
كيف أجاب أمير المؤمنين ( مبينا ) سبب إلقاء السيف
من يده في تلك الحال
قال : “ إنني أضرب بالسيف في سبيل اللَّه ! إنني عبداللَّه ولست عبداً لجسدي !
إنني أسد الحق ، ولست أسد الهوى . وإن فعلي لهو الشاهد على ديني .
إنني في الحرب مصداق ( قول الحق )
...............................................................
( 1 ) مما هو ملحوظ أن الليل يبث الخوف في ضعاف النفوس ، فإذا ما طلع النهار وأشرقت الشمس زال عنهم الخوف .
“ 442 “
10/11/2024, 21:08 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الرابعة: قوانين الميراث تفضل الرجال على النساء ـ د.نضير خان
10/11/2024, 21:05 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثالثة: شهادة المرأة لا تساوي سوى نصف رجل ـ د.نضير خان
10/11/2024, 21:02 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثانية: المرأة لا تستطيع الطلاق ـ د.نضير خان
10/11/2024, 20:59 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الأولى: الإسلام يوجه الرجال لضرب زوجاتهم ـ د.نضير خان
10/11/2024, 20:54 من طرف Admin
» كتاب: المرأة في المنظور الإسلامي ـ إعداد لجنة من الباحثين
10/11/2024, 20:05 من طرف Admin
» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
9/11/2024, 17:10 من طرف Admin
» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
9/11/2024, 17:04 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:59 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:57 من طرف Admin
» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
7/11/2024, 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin