كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي
الفصل الثاني النقطة والتعدد :-
نقطة الباء واحدة في عالم غيبها الّتي لا تفرقة فيه ، على أنّها أظهرت في التّاء المثنّاة اثنين ، وفي المثلّثة ثلاثة ، ردعا وتبيها لمن قال بالشّريك أنّه :
ثاني اثنين ، أو ثالث ثلاثة ، مشيرا إلى أنّ النّقطة الواحدة - ولو ظهرت متعدّدة - هي في ذاتها واحدة ، ألا ترى إليه سبحانه وتعالى - أنّه واحد ، تخيّل المشرك الشّركة فيه ، فالشّريك الّذي اعتقده المشرك في خياله مخلوق للّه ، والحقّ في كلّ مخلوق بكماله .
فالمشرك مخلوق ، والشّريك المعتقد بشركته مخلوق ، والشّركة المعتقدة مخلوقة ، والاعتقاد مخلوق ، والحقّ - سبحانه وتعالى - في كلّ شيء من ذلك بكماله ، وذاته لا تتجزّا ولا تتعدّد ولا تتكلّف ، واحد لا ثاني له .
فحصل من هذا أنّ الشّريك هو الحقّ سبحانه وتعالى ، والمشرك هو الحقّ ، والشّركة هي الحقّ فإن شئت أفرد ، وإن شئت أشرك فما ثمّ إلّا عينك ، ألا ترى أنّ النّقطة من حيث هي نقطة لا من حيث هي جرم جزئي لا تتعدّد ولا تتجزّأ ، بحيث يأخذ كلّ شخص من أشخاصه جزءا من أجزائه ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ، فوجدت النّقطة في عين التّعداد بقوّة أحديّتها الغير المنقسم .
واعلم أنّ النّقطة على الحقيقة لا تنضبط بالبصر ، لأنّ كلّ ما أبرزته في عالم التّجسيم يمكنه التّقسم ، فالنّقطة المشهودة الآن عبارة عن حقيقتها ، وحدّ حقيقتها جوهر فرد لا يتجزّء ، فأمّا إذا أبرزته من غيب الوهم على لسان القلم إلى عالم شهادة لوح الأكوان ازداد حكما في نفسه ذاتيّا غير منسوب إليه في حدّه ، وهو التّقسّم ، لأنّه قلّ ما يوجد بل لا يوجد في عالم الأكوان - ممّا يقع عليه إدراك الحواسّ - جوهر فرد لا ينقسم ، فلمّا برز هذا الجوهر تحت هذا الحرف انقسم على أنّه غير مقسوم ، فهذا محلّ تشبيه الحقّ وما ورد فيه بالنّصّ من اليدين والوجه ،
[ الاستشهاد على التشبيه رغم تنزيهه برواية : ( رأيت ربي في صورة شاب أمرد ) . ]
وفي حديث الرّفرف كما قال عكرمة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
“ رأيت ربّي في صورة شابّ أمرد ، وعليه حلّة من ذهب ، وعلى رأسه تاج من ذهب ، وفي رجليه نعلان من ذهب“ . ، فهو اللّه تعالى يتجلّى لنا بحقّه في صورة الشّابّ وغيره .
بيت مفرد :
كتب الجمال على جلالة وجهه ..... اللّه أحسن كلّ شيء خلقه
الحديث بكماله تشبيه في عين التّنزيه ، إذ معنى الحقّ إنّما هو المنزة لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، فيستحيل عليه تقييد التّشبيه ، وأنّه ليس له إلّا ذلك .
فلمّا كان تشبيهه في تنزيهه وتنزيهه في تشبيهه على الحكم الّذي ورد به النّصّ من الكتاب والسّنّة ، ظهر لك عالم الغيب في نفس عالم الشّهادة ، وبطن لك عالم الشّهادة في عين عالم الغيب .
ولمّا كانت النّقطة أمّا لجميع الحروف كان جميع الحروف فيها بالقوّة .
ومعنى قولي : بالقوّة أن تعقل ثبات الأحرف فيها ولا يدرك كونها إلّا بعد بروزها منها لتركيبك .
شرح الفصل الثاني نقطة الباء واحدة في عالم الغيب لا تفارقه
ثم قال رضي الله عنه :
فصل : نقطة الباء واحدة في عالم الغيب لا تفارقه ، على أنها ظهرت في التاء - المثناة - اثنين ، وفي الثاء المثلثة - ثلاثة ، ردعا وتنبيها لمن قال بالشريك إني ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة ، مشيرا إلى أنه النقطة الواحدة ، ولو ظهرت متعددة هي في ذواتها واحدة ، ألا ترى إليه - سبحانه - أنه واحد ، تخيل المشرك الشركة فيه ، فالشريك الذي اعتقده المشرك في خياله مخلوق بكماله ، فالمشرك مخلوق ، والشريك المعتقد شركته مخلوق ، والشركة المعتقدة مخلوق ، والله - تعالى - في كل شيء من ذلك بكماله وذاته ، لا يتجزأ ، ولا يتعدد ، ولا يتكيف ، واحد لا ثاني له .
فحصل من هذا أن الشريك هو الحق - سبحانه وتعالى - ، والمشرك هو الحق ، والشركة هي الحق ، فإن شئت أشرك وإن شئت أفرد ، فما ثمّ إلا عينك
قوله رضي الله عنه : فصل : نقطة الباء واحدة ( 1 ) الخ اعلم - وفقني الله وإياك ، ولا أخلاني من فيضه ولا أخلاك - أنك قد عرفت ما المراد بالنقطة المشار إليها ، بأنها في عالم الغيب واحدة لا تفارقه ، أي لا تفارق عالمها الغيبي .
واعلم أن كل عالم فالنقطة فيه بغير حلول ، فهي غائبة فيه .
وهو - أي ذلك العالم الغيبي الذي ظهرت فيه النقطة - غيب من جهة بطون النقطة فيه ، وشهادة من حيث ظهور النقطة فيه .
فالبطون والظهور وصفان للنقطة ، لكن ذلك الظهور والبطون من جهة واحدة ، لا من جهة أن ظهورها عين بطونها وبطونها عين ظهورها كما توهم ، وثم عالم يعبر عنه بغيب الغيب ، وهو الغيب الحقيقي الذي لا تدرك شهادته لا دنيا ولا أخرى .
فالأحدية للنقطة صفة لازمة ، وليس في تثنيتها وتثليثها منافاة لوحدتها ، لأن أحديتها بالذات باقية في غيبها المنزه عن الرؤية .
وظهور اثنينيتها في التاء وتثليثها في الثاء بحسب ما لها من المظاهر إذ العوالم ثلاثة :
[ الأول ] : غيب الغيب ، وهو الغيب الحقيقي الذي لا يدرك شهادته .
[ الثاني ] : وغيب مجازي ، وهو الذي يمكن شهادته إما في هذه الدار أو في الأخرى .
[ الثالث ] : أو شهادة وهو ما تراه مما أنت فيه .
فلمّا لاحت أنوار تجليات الذات الأحدية بالنقطة الواحدية على ذوات المشاهدين لها في الحقائق الخلقية قالوا بالشريك ، واتخذوا مع الله إلها آخر ،
وقالوا إن الله ثاني اثنين وثالث ثلاثة ، فنزه نفسه - تعالى - عن الخلق ، فقال :ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ” سورة المجادلة: الآية 7 .
والأصل في ذلك ، أن عيسى - عليه الصلاة والسلام - من أول قدم ظهر بالقدرة والربوبية ، وهو كلامه في المهد :وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى” .سورة آل عمران: الآية 49 .
وضلّ قومه من بعده فعبدوه وقالوا : إنه ثالث ثلاثة ، وهو الأب والابن والأم ، وسمّوا ذلك بالأقانيم الثلاثة ، ويريدون بالثلاثة كلا من جبرائيل - وهو الأب - ومريم - وهي الأم - وعيسى - وهو الابن - فضلّوا بذلك قوم عيسى ، لأن جميع ما اعتقدوه لم يكن مما جاء به عيسى ، لكن مفهومهم لظاهر أمره أداهم إلى ما صاروا إليه .
ولهذا لمّا قال الله لعيسى فقال له :أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ- قدم التنزيه على التشبيه -ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ. سورة المائدة : الآية 116
يعني كيف أنسب المغايرة بيني وبينك فأقول لهم : اعبدوني من دون الله ، وأنت عين حقيقتي وذاتي ، وأنا عين حقيقتك وذاتك ، فلا مغايرة بيني وبينك ، فنزه عيسى نفسه عما اعتقده قومه ، كأنهم اعتقدوا مطلق التشبيه فقط بغير التنزيه ، وليس هذا بحق الله .
ثم قال : “ إن كنت قلته “ يعني من تشبيه الحقيقة العيسوية أنها الله ، “ فقد علمته “ أني لم أقله إلا على الجمع بين التنزيه والتشبيه وظهور الواحد في الكثرة ، لكنهم ضلوا بمفهومهم ، ولم يكن مفهومهم مرادي .
“ تعلم ما في نفسي “ يعني هل كان ما اعتقدوه مرادي - في ما بلغت إليهم من ظهور الحقيقة الإلهية - أم كان مرادي بخلاف ذلك ، فأظهرت لهم الحقيقة الإلهية في ذلك ليظهر لهم ما في أنفسهم ؟
“ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به “ مما وجدتك في نفسي ، فبلغت الأمر لهم ، ونصحتهم ليجدوا إليك في أنفسهم سبيلا في ذلك ، ليظهر لهم ما في أنفسهم .
وما كان قولي لهم إلا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ. ولم أخص نفسي بالحقيقة الإلهية ،
"" يقصد سورة المائدة: الآيتان 116 و 117 وهما :وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ( 116 ) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. ""
بل أطلقت ذلك في جميعهم ، فأعلمتهم بأنه كما أنك ربي - يعني حقيقتي - أنت ربهم - يعني حقيقتهم - ، فافهم واحمل المعنى على الوجه المراد ، مع إقامة الكتاب والسنة ، والحذر [ من ] التعطيل والحلول .
فقد ظهر لك بما بيناه تثنى النقطة وتثليثها ، وكل ذلك عبارة عن الذات الواجب المنزهة عن المثاني والمثالث .
فالحق - سبحانه وتعالى - واحد ، وفي أحديته تخيل المشرك فيه - أي في الحق تعالى - الشركة ، يعني أن له شريكا ، وهو اعتقاد المشرك الذي أوجده في خياله .
فكل من الشريك والمشرك والشركة المعتقدة للمشرك مخلوق لله تعالى ، والله يتجلى بكمال ذاته في كل من ذلك بغير حلول ، ولا تجزأ ، ولا تكيف ، ولا تعدد ، بل هو واحد ، أحد ، فرد ، صمد ، لا يجوز عليه غير ما هو له ، وما هو له غير جائز لغيره ، ولا غير له في الحقيقة ، “ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا “ .
وأما قوله قدس سره : فحصل من هذا أي من الكلام المتقدم الموضح لأحدية الحق تعالى - أن الشريك هو الحق ، لأنه - كما مر - متجل بذاته في جميع مخلوقاته بغير حلول .
والشريك الذي اعتقده المشرك مخلوق لله ، وكل مخلوق لله فالله متجل فيه بكماله ، فما شهد المشرك من الشريك إلا الحق تعالى .
فحصل من هذا أن الشريك هو الحق
فمن ثم قال : فإن شئت أشرك ( 1 ) يخاطب المشرك الزاعم لما اعتقده من الشريك ليس هو الله ، وإن شئت أفرد ( 2 ) أحدية الحق - تعالى - فما ثم إلا عينك وهو تجلي الحق - تعالى - في ذاتك أيها المشرك .
فعلى كل حال وتقدير إن أشركت فعملك محبوط ، وإن أفردت فعملك مقبول ، ولا يكون إلا ما يريده ، وقد أراد من المشرك ما أراد ، ومن المفرد ما أراد ، لتقوم حجته على المشرك بالعقاب ، وللمفرد بالثواب ، وليس إلا مشرك ومفرد ، فهما مظهر اسم الهادي ، فهو الذي أخذ بنواصي الأكوان إلى محل سعادتها ، وسلك بها الصراط المستقيم في حق كل منها ، فهداها بذلك إلى بلوغ كمالها الذي خلقت له قال تعالى :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” سورة الذاريات: الآية 56.
وقال تعالى :وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ” سورة الإسراء: الآية 44 .
فشهد لهم بالعبادة ، لأن التسبيح عبادة ، فهم عابدون له ، قائمون بما خلقهم من أجله ،
وقد قال عليه السلام : “ كل ميسر لما خلق له “ ، فالكل ميسرون للعبادة المخصوصة التي خلقوا لها ، ولهذا قال تعالى :ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ” سورة هود ( 11 ) : الآية 56 .
لأن الطريق الذي أخذ بناصية كل إليه طريق سعادة ذلك الشيء ، لأنه يرجع إلى الله من ذلك الطريق ، وقد خلقه الله تعالى لسلوك ذلك الصراط ، فهو مستقيم في حقه ، ومعوج في حق غيره ، وهذا هو محض الهداية ، قال الله تعالى": وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ"
، أي الطريقين المسمى أحدهما سعادة والأخرى شقاوة ، وهما راجعان إليه ، لأنه تعالى منتهى كل سالك ، قال الله تعالى :وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى” .
واعلم أن هذا الاسم من أسماء الأفعال ، وصفته الهداية ، وهي عبارة عن إرجاع الكون إليه بسلوك الطريق الذي خلق ذلك الكون من أجله .
والهداية نوعان :
[ النوع الأول ] : هداية مطلقة .
[ النوع الثاني ] : وهداية مقيدة .
فالمطلقة ، هي رجوع الكون إليه بالضرورة على أي طريق كان ، ولأن كل طريق يكون موصلا إلى الله فسلوكه هداية ، وكل الطرق موصلة إلى الله - سواء كانت طرق السعادة أو كانت طرق الشقاوة - .
والفرق بين الطريقين : أن طريق السعادة ترجع إلى الله - تعالى - من قرب ، وطريق الشقاوة ترجع إلى الله من بعد ، وما ثم طريق إلا وإلى الله ينتهي ، قال الله تعالى :إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى. فكل السالكين مهتدون ، وسلوكهم في طريقهم [ طرقهم ] المختلفة هداية ، لأن الله منتهى سفرهم .
والهداية المقيدة نوعان :
[ النوع الأول ] : فنوع هي هداية العوام ، وهي اتباع الرسل بالسلوك إلى الله - تعالى - على الطريقة التي شرعها نبي ذلك الوقت .
والنوع الثاني : هداية الخواص ، وهي سلوك العبد إلى الله على الطريق التي كان عليها نبي ذلك الوقت بباطنه ، ولم يشرعها لأمته خوفا عليهم من عدم الوفاء بحقها .
وهذا النوع من الهداية إنما هو بعد حصول الهداية الأولى التي هي هداية العوام ، فإذا حصلت هذه الأولى ، وسلك العبد بعد ذلك طريقة الحق في أسمائه وصفاته بمعرفة حقيقة الإلهية ، وأخذ من المعدن الذي أخذ منه نبيه ، بأن تصرف في مملكة الأسماء والصفات تصرف المالك في ملكه ، والمتصف بأوصافه بيد المرتبة والأصالة لا بالعارية والتبعية ، فهو مهتد وهذه هداية الله ، قال تعالى :اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ” 1 “ .
فالعوام ، التابعون شريعة النبي - صلى الله عليه و [ آله ] وسلم - هداهم الله إليه .
والخواص ، التابعون أحواله اجتباهم الله وهداهم هداه .وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ” 2 “ لا إله سواه .
النقطة من حيث هي نقطة لا تتعدد ولا تتجزأ
ثم قال رضي الله عنه : ألا ترى أن النقطة من حيث هي نقطة - لا من حيث هي جزء جزئي - لا تتعدد ولا تتجزأ ، بحيث يأخذ كل شخص من أشخاصه جزئا من أجزائه “ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا “ ، فوجدت النقطة في عين التعداد بقوة أحديتها الغير المنقسم .
واعلم أن النقطة على الحقيقة لا تنضبط بالبصر ، لأن كل ما أبرزته في عالم التجسيم يمكنه التقسيم ، فالنقطة المشهودة الآن عبارة عن حقيقتها ، وحد حقيقتها جوهر فرد فلا تتجزأ ، فأما إذا أبرزته من غيب الوهم على لسان القلم إلى عالم شهادة لوح الأكوان ، يزداد حكما في نفسه ذاتيا غير منسوب إليه في حده ، وهو التقسيم ، لأنه قل ما يوجد - بل لا يوجد - في عالم الأكوان - مما يقع عليه إدراك الخواص من - جوهر فرد لا ينقسم ، فلما أبرز هذا الجوهر تحت هذا الحرف انقسم على أنه غير مقسوم ، فهذا هو محل تشبيه الحق .
قوله : ألا ترى أن النقطة ( 1 ) الخ يعني أن النقطة المعبر عنها في الخارج من حيث هي ( 2 ) هي لا من حيث الجرم الجزئي لا تتعدد ( 3 ) في نفسها ، ولا تتجزى بأخذ كل شخص من أشخاصه جزئا من أجزائه ( 4 ) ،
يعني أن الحروف البارزة من حقيقة النقطة بسبب تركيب كل حرف منها بأخذه ما له من النقطة لا يصدق على النقطة أنها متجزئة ، لأنها في الخارج مثال للذات الغائب ، ولا بد من وجه المناسبة بين الممثل والممثل به ، وتلك الذات لا يجوز عليها التجزي والتعدد ، فلهذا قال قدس سره : تعالى الله أي عن ذلك التجزي والتعدد علوا كبيرا ، ( 3 ) فوحدت النقطة في عين الكثرة المتعددة بقوة أحديتها الغير المنقسم ، لأن القوة لها بالذات لا بالعرض ، وما كان قوية بذاته كانت له القوة المطلقة .
وشأن القوة المطلقة أن تبرز ما كان مستحيلا واجبا وما كان واجبا مستحيلا ، فقوة أحدية النقطة هي التي أبرزت الكثرة الغير المتناهية متناهية ، لأن شأن قدرة الذات أن تبرز ما لا يتناهى متناهيا ، وقد وضعت النقطة دليلا في الخارج عليها .
النقطة على الحقيقة لا تنضبط بالبصر
ومن ثم أعلمك بقوله : واعلم أن النقطة على الحقيقة لا تنضبط بالبصر ( 4 ) أي المخلوق كما قال تعالى :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ” سورة الأنعام ( 6 ) : الآية 103 .
وما شوهد في الخارج من بروز النقطة في عالم التجسيم بقبول الانقسام لا يلزم أن تكون النقطة في نفسها منقسمة ، لأنها - أي النقطة البارزة في عالم التجسيم - إنما هي عبارة عن حقيقتها في عالم الغيب ، وتلك الحقيقة هي الدالة على الذات الغائب ، والأمر مداره على حقيقته ، وإذا كان حقيقة النقطة غائبة في عالمها الذي لا يشهد فكيف لنا أن نحكم على ما لا نعلمه حقيقة أنه منقسم بدليل ما ظهر لنا في الخارج من مثال النقطة الظاهرة في الخارج ؟ ، فهذا لا يصح أبدا . !
ولهذا قال قدس سره : وحد حقيقتها ( 1 ) يعني ومفهوم حقيقة النقطة البارزة في الخارج جوهر فرد ( 2 ) وقد علمت أن الجوهر الفرد أصل الأشياء ، لأنه كما مر ذات قابلة الاتصال غير قابلة للافتراق ، فلا تتجزأ ولا تتعدد .
فأما إذا أبرزته من غيب الوهم على لسان القلم إلى عالم شهادة الأكوان
فلهذا قال : فأما إذا أبرزته ( 3 ) أي النقطة من عالم الوهم على لسان القلم إلى عالم شهادة الأكوان ازداد حكما في نفسه ( 4 ) يعني إن زاد ما أبرزته النقطة معنى في نفسه وهو بروزه من أصله وذلك المعنى ذاتي للباء من النقطة ، غير منسوب إليه في حده أي في مفهومه الأصلي ، وهو الذي لا يصدق عليه انقسام إما لأنه لاحق بأصله وأصله لا يقبل انقساما ما بوجه ما ، وإما من حيث وجه ما برز به فيصدق عليه الانقسام .
فإذا ظهر بما بيناه أن الانقسام الواقع في الظاهر على النقطة ليس هو ذاتيا لها .
وقوله : من عالم الوهم على لسان القلم إلى عالم شهادة لوح الأكوان ( 5 ) فالعالم الوهمي هو الحقيقة المحمدية ، ولسان القلم كناية عن الترجمان وهو جبرائيل ، وعالم شهادة لوح الأكوان هو اللوح المحفوظ .
وذلك أن العلو [ الخلق ] في العقل الأول - المعبر عنه بعالم الوهم - مجملة ، وهي في عالم شهادة لوح الأكوان مفصلة .
وتعبيرنا بأن عالم الوهم هو العقل الأول ، لأن العوالم جميعها مخلوقة من العقل الأول ، والقوة الوهمية المعطاة لروح عزرائيل هي من عالم الوهم وهو الحقيقة المحمدية .
فإن القوى التي في الإنسان كالمفكرة والعاقلة والوهمية وأمثال ذلك أصل حقائقها أرواح الملكية المعبر عن أحدها بعزرائيل وله القوة الوهمية ، والقوة العاقلة لجبرائيل ، والقوة المفكرة لسائر الملائكة ، وكل ذلك محاتد الملائكة من الحقيقة المحمدية .
فإذا كان فيك ما في الملائكة كان ما فيك في غير الملائكة من باب الأولى ولهذا قيل :أتزعم أنك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبرلأنك نسخة من خلق على الصورة فافهم .
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin