مع الحبيب المصطفى ﷺ :حاجة الأمة إلى مكارم الاخلاق
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
301ـ حاجة الأمة إلى مكارم الاخلاق
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ تَعَامُلَ النَّاسِ مَعَ بَعْضِهِمْ بِالعُنْفِ يُورِثُ العَدَاوَاتِ وَالأَحْقَادَ وَالضَّغَائِنَ، وَيَدْفَعُهُمْ إلى الانْتِقَامِ إِذَا سَمَحَتْ لَهُمُ الفُرَصُ، أَمَّا التَّعَامُلُ بِالرِّفْقِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِنَّهُ يُؤَلِّفُ القُلُوبَ وَيَجْمَعُهَا، وَيَجْعَلُ المُجْتَمَعَ مُتَمَاسِكَاً، وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ حَرَّضَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرِّفْقِ، وَحَذَّرَ مِنَ العُنْفِ، وَحَضَّ الرُّعَاةَ وَالمَسؤُولِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ.
روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ.
فَقُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ.
فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ».
قُلْتُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟
قَالَ: «قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».
وفي رِوَايَةٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلَاً يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ، أَوِ الفُحْشَ».
فقَالَتْ عَائِشَةُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟
قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ، رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ».
وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ».
وروى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ: كُنْتُ عَلَى بَعِيرٍ صَعْبٍ، فَجَعَلْتُ أَضْرِبُهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، فَإِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ».
وروى الإمام مسلم عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ».
وروى الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ».
حَاجَةُ الأُمَّةِ إلى مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ النَّاسَ اليَوْمَ في أَرْجَاءِ المَعْمُورَةِ عَامَّةً، وَفِي بِلَادِنَا خَاصَّةً يَحْتَاجُونَ إلى مَنْ يَقِفُ بِجَانِبِهِمْ، وَيُعِينُهُمْ عَلَى الاسْتِقَامَةِ، يَحْتَاجُونَ إلى مَنْ يُزِيلُ عَنْهُمُ الهَمَّ وَالحُزْنَ وَالقَلَقَ وَالاضْطِرَابَ، يَحْتَاجُونَ إلى مَنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِمْ إلى طَرِيقِ السَّعَادَةِ وَالرَّاحَةِ النَّفْسِيَّةِ، يَحْتَاجُونَ إلى مَنْ يَأْخُذُ بِأَيْدِيهِمْ إلى طَرِيقِ النَّجَاةِ وَالأَمْنِ وَالأَمَانِ في دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ.
إِنَّ الأُمَّةَ اليَوْمَ تَحْتَاجُ إلى مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ مِنْ أَجْلِ إِصْلَاحِ حَالِهَا، وَإِنَّ خُلُقَ الرِّفْقِ مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ التي يَدْخُلُ بِهَا الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ قُلُوبَ الآخَرِينَ، بَلْ هُوَ أَعْظَمُ وَسِيلَةٍ لِنَشْرِ دِينِ اللهِ تعالى، وَتَحْبِيبِ النَّاسِ فِيهِ، وَمَنْ تَتَبَّعَ سِيرَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَجِدُ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُلَازِمُ خُلُقَ الرِّفْقِ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الرِّفْقُ وَالإِحْسَانُ للآخَرِينَ يُحَوِّلُ المُبْغِضَ إلى مُحِبٍّ، وَالبَعِيدَ إلى قَرِيبٍ، وَالعَدُوَّ إلى صَدِيقٍ، بَلْ وَالكَافِرَ إلى مُؤْمِنٍ.
روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيْلَاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟».
فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ.
فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟».
قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ.
فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الغَدِ، فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟».
فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ.
فَقَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ».
فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلَادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟
فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: العُنْفُ بَيْنَ النَّاسِ يَهْدِمُ العَلَاقَاتِ وَلَا يَبْنِيهَا، وَالشِّدَّةُ وَالقَسْوَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ تُفْسِدُ الوُدَّ وَالأُلْفَةَ وَالمَحَبَّةَ وَلَا تُصْلِحُ، أَمَّا الرِّفْقُ وَالإِحْسَانُ فَإِنَّهُ يُحَوِّلُ القُلُوبَ إلى قُلُوبٍ مُخْلِصَةٍ وَفِيَّةٍ صَادِقَةٍ.
مَا أَجْمَلَ الرِّفْقَ وَخَاصَّةً مِنَ الرَّاعِي نَحْوَ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّنَا رَاعٍ؛ لَقَدْ بَلَغَ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ رَعِيَّتِهِ اشْتَكَوْا مِنْ عُمَّالِهِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوَافُوهُ، فَلَمَّا أَتَوْهُ قَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَيَّتُهَا الرَّعِيَّةُ إِنَّ لَنَا عَلَيْكُمْ حَقَّاً: النَّصِيحَةَ بِالغَيْبِ، وَالمُعَاوَنَةَ عَلَى الخَيْرِ؛ أَيَّتُهَا الرُّعَاةُ، إِنَّ للرَّعِيَّةِ عَلَيْكُمْ حَقَّاً، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا شَيْءَ أَحَبَّ إلى اللهِ وَلَا أَعَزَّ مِنْ حِلْمِ إِمَامٍ وَرِفْقِهِ، وَلَيْسَ جَهْلٌ أَبْغَضَ إلى اللهِ وَلَا أَغَمَّ مِنْ جَهْلِ إِمَامِ وَخُرْقِهِ.
في الخِتَامِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الرِّفْقُ طَرِيقٌ يُوصِلُ إلى الجَنَّةِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الإِيمَانِ، وَحُسْنِ الإِسْلَامِ؛ الرِّفْقُ يُثْمِرُ المَحَبَّةَ، مَحَبَّةَ اللهِ تعالى وَمَحَبَّةَ النَّاسِ، وَيُنَمِّي رُوحَ التَّعَاوُنِ وَالمَحَبَّةِ وَالأُلْفَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى صَلَاحِ العَبْدِ، وَحُسْنِ أَخْلَاقِهِ، وَيَجْعَلُ المُجْتَمَعَ مُتَمَاسِكَاً سَالِمَاً مُعَافَىً.
الرِّفْقُ عُنْوَانُ سَعَادَةِ العَبْدِ في الدَّارَيْنِ، وَيُزَيِّنُ الأُمُورَ كُلَّهَا؛ الرِّفْقُ بِالرَّعِيَّةِ مَدْعَاةٌ لِأَنْ يَرْفِقَ اللهُ تعالى بِالرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، وَخَاصَّةً خُلُقَ الرِّفْقِ. آمين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
301ـ حاجة الأمة إلى مكارم الاخلاق
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ تَعَامُلَ النَّاسِ مَعَ بَعْضِهِمْ بِالعُنْفِ يُورِثُ العَدَاوَاتِ وَالأَحْقَادَ وَالضَّغَائِنَ، وَيَدْفَعُهُمْ إلى الانْتِقَامِ إِذَا سَمَحَتْ لَهُمُ الفُرَصُ، أَمَّا التَّعَامُلُ بِالرِّفْقِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِنَّهُ يُؤَلِّفُ القُلُوبَ وَيَجْمَعُهَا، وَيَجْعَلُ المُجْتَمَعَ مُتَمَاسِكَاً، وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ حَرَّضَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرِّفْقِ، وَحَذَّرَ مِنَ العُنْفِ، وَحَضَّ الرُّعَاةَ وَالمَسؤُولِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ.
روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ.
فَقُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ.
فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ».
قُلْتُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟
قَالَ: «قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».
وفي رِوَايَةٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلَاً يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ، أَوِ الفُحْشَ».
فقَالَتْ عَائِشَةُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟
قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ، رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ».
وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ».
وروى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ: كُنْتُ عَلَى بَعِيرٍ صَعْبٍ، فَجَعَلْتُ أَضْرِبُهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، فَإِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ».
وروى الإمام مسلم عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ».
وروى الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ».
حَاجَةُ الأُمَّةِ إلى مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ النَّاسَ اليَوْمَ في أَرْجَاءِ المَعْمُورَةِ عَامَّةً، وَفِي بِلَادِنَا خَاصَّةً يَحْتَاجُونَ إلى مَنْ يَقِفُ بِجَانِبِهِمْ، وَيُعِينُهُمْ عَلَى الاسْتِقَامَةِ، يَحْتَاجُونَ إلى مَنْ يُزِيلُ عَنْهُمُ الهَمَّ وَالحُزْنَ وَالقَلَقَ وَالاضْطِرَابَ، يَحْتَاجُونَ إلى مَنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِمْ إلى طَرِيقِ السَّعَادَةِ وَالرَّاحَةِ النَّفْسِيَّةِ، يَحْتَاجُونَ إلى مَنْ يَأْخُذُ بِأَيْدِيهِمْ إلى طَرِيقِ النَّجَاةِ وَالأَمْنِ وَالأَمَانِ في دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ.
إِنَّ الأُمَّةَ اليَوْمَ تَحْتَاجُ إلى مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ مِنْ أَجْلِ إِصْلَاحِ حَالِهَا، وَإِنَّ خُلُقَ الرِّفْقِ مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ التي يَدْخُلُ بِهَا الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ قُلُوبَ الآخَرِينَ، بَلْ هُوَ أَعْظَمُ وَسِيلَةٍ لِنَشْرِ دِينِ اللهِ تعالى، وَتَحْبِيبِ النَّاسِ فِيهِ، وَمَنْ تَتَبَّعَ سِيرَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَجِدُ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُلَازِمُ خُلُقَ الرِّفْقِ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الرِّفْقُ وَالإِحْسَانُ للآخَرِينَ يُحَوِّلُ المُبْغِضَ إلى مُحِبٍّ، وَالبَعِيدَ إلى قَرِيبٍ، وَالعَدُوَّ إلى صَدِيقٍ، بَلْ وَالكَافِرَ إلى مُؤْمِنٍ.
روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيْلَاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟».
فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ.
فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟».
قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ.
فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الغَدِ، فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟».
فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ.
فَقَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ».
فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلَادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟
فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: العُنْفُ بَيْنَ النَّاسِ يَهْدِمُ العَلَاقَاتِ وَلَا يَبْنِيهَا، وَالشِّدَّةُ وَالقَسْوَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ تُفْسِدُ الوُدَّ وَالأُلْفَةَ وَالمَحَبَّةَ وَلَا تُصْلِحُ، أَمَّا الرِّفْقُ وَالإِحْسَانُ فَإِنَّهُ يُحَوِّلُ القُلُوبَ إلى قُلُوبٍ مُخْلِصَةٍ وَفِيَّةٍ صَادِقَةٍ.
مَا أَجْمَلَ الرِّفْقَ وَخَاصَّةً مِنَ الرَّاعِي نَحْوَ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّنَا رَاعٍ؛ لَقَدْ بَلَغَ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ رَعِيَّتِهِ اشْتَكَوْا مِنْ عُمَّالِهِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوَافُوهُ، فَلَمَّا أَتَوْهُ قَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَيَّتُهَا الرَّعِيَّةُ إِنَّ لَنَا عَلَيْكُمْ حَقَّاً: النَّصِيحَةَ بِالغَيْبِ، وَالمُعَاوَنَةَ عَلَى الخَيْرِ؛ أَيَّتُهَا الرُّعَاةُ، إِنَّ للرَّعِيَّةِ عَلَيْكُمْ حَقَّاً، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا شَيْءَ أَحَبَّ إلى اللهِ وَلَا أَعَزَّ مِنْ حِلْمِ إِمَامٍ وَرِفْقِهِ، وَلَيْسَ جَهْلٌ أَبْغَضَ إلى اللهِ وَلَا أَغَمَّ مِنْ جَهْلِ إِمَامِ وَخُرْقِهِ.
في الخِتَامِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الرِّفْقُ طَرِيقٌ يُوصِلُ إلى الجَنَّةِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الإِيمَانِ، وَحُسْنِ الإِسْلَامِ؛ الرِّفْقُ يُثْمِرُ المَحَبَّةَ، مَحَبَّةَ اللهِ تعالى وَمَحَبَّةَ النَّاسِ، وَيُنَمِّي رُوحَ التَّعَاوُنِ وَالمَحَبَّةِ وَالأُلْفَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى صَلَاحِ العَبْدِ، وَحُسْنِ أَخْلَاقِهِ، وَيَجْعَلُ المُجْتَمَعَ مُتَمَاسِكَاً سَالِمَاً مُعَافَىً.
الرِّفْقُ عُنْوَانُ سَعَادَةِ العَبْدِ في الدَّارَيْنِ، وَيُزَيِّنُ الأُمُورَ كُلَّهَا؛ الرِّفْقُ بِالرَّعِيَّةِ مَدْعَاةٌ لِأَنْ يَرْفِقَ اللهُ تعالى بِالرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، وَخَاصَّةً خُلُقَ الرِّفْقِ. آمين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin